بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حين تموت الأزهار يأساً"
رانية وسليم شابان فلسطينيان يعيشان في حي من أحياء غزة. رانية أنهت لتوها دراستها الجامعية,فهي تزحف نحو الثالثة والعشرين من عمرها وأما هو فقد ترك مقاعد الدراسة مبكرا وعمل ميكانيكيا للسيارات وهو في الخامسة عشر من عمره,دفعه لذلك موت أبيه عندما كان صغيراً ومن ثم تولت أمه أعباء تربيته.نشأ سليم شاباً قوياً جلداً, استطاع خلال اثني عشر عاماً تلت أن يجمع مالاً كافياً للقيام بمتطلبات زواجه من رانية , فضلاً عن عيش والدته في حياة كريمة.أصبح الآن رجلاً في السابعة و العشرين وقد عمل على إعداد بيت الزوجية, فأثث شقته وأعدها جيداً وساعدته أمه على تأثيثها ولم يبق إلا أن يتقدم لخطبة رانية من أبيها وقد علم بموافقته المسبقة وذلك للود الذي يجمع بينهما.حددا موعد الزواج بعد شهر وتحديداً في منتصف شهر يناير من العام الجديد وقد سعدت العائلتان بهذه المناسبة السعيدة وتم عقد قرانهما في فرح عائلي مختصر.اعتاد سليم في الأيام اللاحقة وبعد انصرافه من عمله بعيد صلاة العصر أن يمر على زوجة المستقبل يتجاذبان أطراف الحديث في أمور كثيرة ومنها موعد زواجهما القادم ومن ثم ينصرف إلى بيته ليستريح قليلاً.
في الثالث والعشرين من ديسمبر صدرت الأوامر لمعالجة وضع خلية إرهابية تقبع في حي من أحياء غزة وما هي إلا ساعات حتى حلقت الطائرة فوق المكان ووجه الطيار قذائفه التي لم يراع فيها الهدف المنشود, لحظات ودوى انفجار هائل تهدمت على إثره عدة منازل, كان من بينها منزل سليم وقد انتشر الحطام وتناثرت الأشلاء في كل مكان وخرج الناجون إلى الشارع يتفقدون قتلاهم وجرحاهم. أما أم سليم فقد كانت عند جارة لها للزيارة وقد خرجت هي أيضا مسرعة لعلها تطمئن على فلذة كبدها, فهذا موعد تواجده في البيت, نظرت من ناصية الشارع فرأت جزءاً كبيرا من بيتها قد تحطم فسارعت الخطى عجلى لتدرك ابنها الوحيد, لحظات مرت كساعات, هرولت قدر ما تستطيع رغم تقطع أنفاسها وقفت على الحطام مزاحمة الجموع, رأته ممدداً يعلوه الغبار
وقد شخصت عيناه إلى السماء ولا زال الدم رطباً على جبينه وفمه, ارتمت عليه وضمته إلى صدرها وأخذت تقبل جبينه وكفه وتشمهما ,فاختلطت دموعها بدمه وبكت بكاء مريراً لا يسمع منه إلا الأنين. حدث كل هذا
ورانية واقفة بلا حراك, شاحبة الوجه كتمثال قديم وأمها تسندها ولم يصدر منها رد فعل غير الذي استقر في الصميم وقد رأت صورتهما حين عقد قرانهما في كفه الأخرى وعليها نقطتان من الدم جريحتان. سحبتها أمها
خوفا عليها والاستغراب باد عليها لعدم انفعال ابنتها.
مر الأسبوع الأول وانتهى واجب العزاء وهي لا تتكلم إلا قليلاً وفي الأسبوع الذي يليه استأذنت والديها لزيارة
صديقتها, ففرحا بذلك رغبة منهما في مساعدتها على نسيان المصاب وتكررت زيارتها لصديقتها وهما أكثر
سروراً وغبطة وظنا أنها قد سلت تماما ونسيت فقد روجها بعد فقد أخويها منذ عام مضى.
في الخامس عشر من يناير استيقظت رانية باكراً وتجملت كأحلى ما تكون ولبست ثوب زفافها واقفة أمام
المرآة تتأمل نفسها وتبتسم بين الحين و الآخر وبعد ساعة من الزمن خلعت ذلك الثوب الكئيب ثم خرجت
متجملة هذه المرة كأحلى ما تكون جميلات هوليود. سارعت رانية خطاها نحو هدفها المنشود وبعد ساعتين
حدث انفجار مدمر في أحد المقاهي من الجهة الأخرى,فارتج المكان وتناثرت الأشلاء وقد علم الناس أن
الفاعل هذه المرة فتاة في عمر الزهور.عندما دخلت رانية المقهى استرجعت شريط حياتها ومعاناتها في لحظات
ثم صرخت صرخة مدوية لم يسمعها أحد فقد كان سحب الحزام الناسف أسرع صوتاً فتمزق جسدها الغض
ودفن حلم رانية وسليم إلى الأبد. بعد عملية الإخلاء كانت الحصيلة ويا للغرابة خمسين قتيلاً ليس بينهم جريح
واحد. خرج الأرعن يتوعد والرئيس يندد وسأل المقدم ضيفه عن هذه العملية فأجاب وقد تعانقت رجلاه
إن هؤلاء إرهابيون ويجب أن يقمعوا.
وأما أمجد وهناء فهما طفلان صغيران يعيشان في الضفة الغربية ولم يتجاوزا الثانية عشرة من عمرهما
ولأنهما ابنا خالة فقد اتفقا لبرائتهما على حلمهما في المستقبل وعلى زواجهما وكان ذلك مدعاة لتندر والدتيهما
والضحك أحياناً وأما هما فقد كانا جادين في الأمر ولعل الظروف القاهرة تقود إلى النضج المبكر أحياناً ولذا
فقد بدأ هو يوفر جزءاً من مصروفه المدرسي وهي تذهب إلى المرآة تقلب شعرها يمنة ويسرة وكذلك للخلف
متخيلة تسريحة شعرها في يوم زفافها بعد عشر سنوات كما كانا يتحدثان.
سأل أحدهم جاداً وقد علم بقصة سليم ورانية فقال : هل سيتمكن أمجد وهناء فعلاً من الزواج بعد عشر سنين
من الآن ويعيشان حياة كريمة؟ فلم يجبه أحد,ثم استدرك قائلاً:أم سيخرج الأرعن يتوعد من جديد ويندد الرئيس ويسأل المقدم ضيفه عن العملية التي نفذتها فتاة في سن الزهور اسمها هناء, فيجيب هذه المرة وقد انتفخ صدره واتسع شدقاه إلىأذنيه فيقول: ألم أقل لك دائماً إنهم إرهابيون ولا بد أن يقمعوا للأبد.
وأما أنا فحقيقة لا أدري ولكن حتى ذلك الحين استودعكم الله. انتهت