السلام عليكم
ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلّفاه ذليلاً.
إن اليتيم الذي تلقى له أماً تخلت عنه أو أباً مشغولاً.
كويتي يعيش في نفق!
لا استغراب!
إنها حقيقة يعيشها الشاب الكويتي أحمد المنتسب الى وزارة الدفاع برتبة وكيل عريف ويبلغ من العمر 27 عاماً.
أحمد الذي اشتد ساعد الشقاء الأبوي عليه صغيراً قوي عليه النصابون عندما اشتد عُوده، ووقع في فخهم عندما كفلهم واستدانوا الأموال وفروا الى بلادهم ليجد نفسه بلا مأوى، بعد أن تراكمت عليه الديون وأخذ البنك يقبض على روح معاشه.
أحمد الذي كان طردته والدة زوجة أبيه في صغره في منتصف ليلة ووجد في «نفق» في الجهراء ملاذا أواه حتى الصباح، وكان ذلك قبل 20 عاماً، عاد اليه أحمد قبل أربع سنوات ليقيم في النفق ذاته ويكون وفياً لـ «النفق» الذي احتضنه طفلاً ويحتضنه شاباً.
«الرأي العام» زارت أحمد في «نفقه»,,, نفق الحياة المظلمة التي يعيشها لتقف على معالم عيشه في داخل نفق في الكويت التي تبني الجسور والانفاق والمؤسسات والمطارات وتسهم في الامبراطوريات الاقتصادية في العالم، في نفق وكيل العريف في الجيش كانت تلك الوقفة معه لمعرفة مجريات نفق حياته.
يقول أحمد: «لقد تذوقت العذاب منذ نعومة أظفاري وكنت ضحية طلاق والديّ عندما تخلت عني والدتي ولفظني والدي واحتضنني نفق في الجهراء».
ويشير أحمد الى «النفق» بسبابته ويقول: «هنا أتذوق طعم الحرارة في عز الصيف وطعم البرودة في الشتاء، فهذا هو مأواي,,, وهل يعقل وأنا شاب في مقتبل العمر وكويتي في بلد الخير أن أكون بلا سقف مثل أقراني، وبلا حياة وحتى بلا مستقبل رغم انني أعمل حالياً في وزارة الدفاع برتبة وكيل عريف، ولكن سامح الله من كان السبب، ولتسقط الديون عني التي تراكمت بسبب طيبتي ووقوعي في مصيدة النصابين العرب الذين كفلتهم بحكم اني كويتي وطاروا بالأموال إلى بلدهم».
ويعود أحمد بأدراج الذاكرة الى الطفولة التعسة حسب وصفه لها ويقول كنت أعيش حياة طبيعية وآمنة مع والدي ووالدتي وأختي الوحيدة لكن الخلافات بين والدي ووالدتي حولت حياتنا جحيماً وكنت لا أزال في الخامسة من عمري حتى بلغ سيل المشاكل الزبى بينهما ووصلت الأمور الى المحاكم وحصل الطلاق، وانتقلت بعده للعيش مع والدتي حتى بلغت السابعة من العمر، وفي تلك الاثناء تزوجت والدتي من رجل آخر، ما اضطرني الأمر الى الانتقال للعيش في منزل والدي الذي كان تزوج ايضاً، وبات لديه أطفال، وكما هي حال اطفال من اب واحد وأم ثانية، لا يوجد بينهم توافق، مع ذلك راحت زوجة والدي تعاقبني وتبرز كراهيتها لي حتى طردتني ذات ليلة من البيت عند منتصف الليل، مستغلة عدم وجود والدي في المنزل، ونظراً لحداثة سني لم أدرك ماذا أفعل وأين أذهب (,,,) وانطلقت هائماً على وجهي في العتمة حتى وصلت الى النفق في الجهراء، ورحت أبكي
واستغيث ولكن لا حياة لمن تنادي في الليل المدلهم، وبعد ان نال التعب مني غفوت حتى الصباح، وعدت الى البيت تسللاً وارتديت ملابس المدرسة وذهبت اليها لاجراء الامتحان، وخلال وجودي في المدرسة فوجئت بمجيء والدي وسعدت لرؤيته ظناً مني بأنه يبحث عني، لكنني صعقت عندما تقدم نحوي وانهال علي بالضرب بعدما علم من زوجته بأنني لم أعد الى البيت ليلة البارحة، لكنها لم تبلغه بحقيقة قساوة قلبها وطردها لي».
ويكمل: «وبعد ان نلت نصيبي من الضرب تمكنت من الهرب منه، وذهبت الى النفق لأعيش فيه، وتركت المدرسة في آن، ولم أعد الى صفوفها، حتى رسبت في ذلك العام».
ويتابع أحمد: «ذات يوم وجدني والدي عند أحد اصدقائي وأخذني الى دور رعاية الاحداث وتركني هناك، اذ كنت في سن الحادية عشرة من عمري ولم أره بعدها، واستمر الوضع لمدة أربع سنوات، وظللت أبكي، حتى كسرت خاطر اخصائية في دور الرعاية، وبعدها زارني والدي مرة واحدة».
ومضى قائلاً: «وبعد مرور ست سنوات على وجودي في دور الرعاية سمع بقصتي العقيد فيصل الصولة، وقدم لي يد العون وساعدني -جزاه الله كل خير- في الالتحاق بالسلك العسكري، حيث بلغت السن القانونية (18 عاما) وتم السماح لي بالخروج من دور الرعاية ودخلت دورة عسكرية».
وتوقف في الحديث ثم انطلق: «كان العقيد الصولة يساعدني في كل مجالات الحياة ويقدم لي حتى المساعدات المادية من نفقته الخاصة، فيما كان والدي يرفض حتى مساعدتي في العمل واعطائي الوثائق الرسمية، ورفض مساعدة بعض المسؤولين في دور الرعاية الذين ارادوا ان يقفوا الى جانبي وتأهيلي للخروج الى الحياة العملية، وكان يرفض بشدة، ويرد بقوله «لا اريده,,, هو حر التصرف».
فأطلق المسؤولون سراحي واعتمدت على نفسي، ووفقني الله بالدورة واجتزتها واصبحت موظفا يعتمد على نفسه، لكنني عندما خرجت من دور الرعاية شعرت بتخبط، لا اعرف اين اذهب؟ وكيف اتصرف؟».
ويواصل حديثه: «طلبت مساعدة في الحصول على سكن فارشدني البعض الى شخص يسكن في منطقة جليب الشيوخ، وذهبت اليه، وبالفعل حصلت على غرفة عزاب، وكانت بالنسبة لي ارحم من التشرد، وعشت في هذه الغرفة الصغيرة، وبدأت اتنفس الصعداء، وسارت الامور بشكل طبيعي، او بالاحرى بدأت رحلة الالف ميل بخطوة واحدة، بدأت اعتمد على نفسي».
ويستطرد: «ولانني طيب، واجهل الكثير من الامور المادية، فقد استغل طيبتي هذا الشخص الذي خدمني بالسكن، فقد اوهمني بانه يريد مصلحتي، لكنه في الحقيقة نصاب».
وبحسرة ,,, وبحشرجة في الصوت تكلم احمد: «هذا الشخص محتال ونصاب، واتضح لي بانه من ارباب السوابق وعندما علم مني باني بحاجة الى المال لشراء سيارة، جعلني اقوم بكفالته بأكثر من سيارة، ثم اخذ قرض بنك على كفالتي، بحجة انه يريد ضبط اموري، وخضعت الى آهوائه، ولم اكن اعلم بانه نصاب الى هذه الدرجة، ثم فوجئت بانه سافر الى بلده ولم يسدد المبالغ المستحقة عليه، ووجدت نفسي امام قضايا مالية من بعض الشركات والبنوك، وتطور الامر ورفعت قضايا، وتم حجز راتبي كله، حيث وصلت قيمة المبالغ المطلوبة 25 الف دينار ولم اجد احدا يساعدني، والدي لا يحبني، ووالدتي لا تستطيع انقاذي واعمامي تركوني، وتراكمت علي المشاكل من جديد، بعدما ظننت انها انتهت وسوف ابدأ حياة جديدة».
ويواصل: «لم انته من عذاب الصغر، او لعنة التشرد، عدت الى نقطة البداية، آلام ومعاناة وهموم ولم استطع ان اوفر لقمة العيش وفوق ذلك هربت من السكن، لانني اواجه قضايا مالية واصبح بيتي في المعسكر، حيث انام واعيش، فيما يساعدني بعض الاصدقاء، وعندما علم احد المسؤولين في المعسكر بأنني ابات فيه، طلب مني البحث عن سكن بدلا من المعسكر.
ومضى العسكري احمد: «فكرت كثيرا وفكرت (,,,) لم أجد سوى النفق الذي ذهبت اليه ايام الصغر، هو قدري، لم استطع ان اوفر سكنا لانني مديون، وراتبي محجوز بالكامل، وكل يوم اتألم,,, واتحسر على ما حل بي، انني اعاني من هذه الظروف القاسية».
ويكمل: «لا أعرف، ماذا افعل، الى أين أتجه، اعيش في نفق مظلم، وارشدوني انا ابن هذه الارض، اعاني كل يوم اشد معاناة فمن ينقذني؟!».
وختم قوله: «النفق الذي اعيش فيه حاليا، بلا ضوء ولا مياه وهذا النفق غير مهيأ لأدنى مستوى الحياة المعيشية، ومن لا يصدق فليزرني».